صورة
الهند وحضارتها في الأدب العربي
سيد محمد طارق[1]
المدخل
إلى المقالة:
هذه
المقالة تهدف إلى استعراض بعض النصوص الأدبية العربية لأجل دراسة
التأثير الهندي على حياة العرب العقلية وفهم محاولة الجانبين للاستفادة من الآخر.
إن العلاقات الثنائية بين الهند والعالم العربي ليس مما يصعب فهمه. ومع ذلك، لا
ريب في أن استقصاء هذه العلاقات واستعراضها وتقييمها لأجل الوصول إلى النتائج
الهادفة إلى الحلول الناجحة للقضايا المعقدة دوليا كانت أم إقليميا، أمر غير يسير.
وبغض النظر عن هذه الصعوبة حاول عدد لا بأس به من الباحثين وعارفي اللغة العربية
في الهند وذوي إلمام تام بالحوادث والتطورات في العالم العربي وبلاد الهند، محاولة
جدية لدراسة العلاقات الثنائية بين الهند والعالم العربي والدوافع التي مهدت السبل
لحث العرب على الالتفات إلى بلاد الهند والاستفادة من منتجاتها ومحاصيلها العلمية
واختراعاتها الفنية في الأزمان الخالية والعصور الأخيرة على السواء.
الهند
في الشعر العربي
الشعر العربي وحده يكفي لفهم متانة
العلاقات بين الهند والعالم العربي وعلى وجه الخصوص لمعرفة تأثير الأول على حياة
الثاني وطرق تفكيره وأسلوب حياته. إن في الشعر العربي شواهد عديدة تفيد عن تبادل
العلاقات التجارية والعلاقات الثقافية والعلاقات الإنسانية بين الهند والعالم
العربي. فالسيف الهندي موجود منذ زمن في الحروب العربية. والتجار العرب كانوا
يجلبون البخور والعنبر والتوابل من الهند وعامة كانوا يسمون أبناءهم وبناتهم أبا
هند وبنت هند وغيرها من الأسماء المشيرة إلى أصل هندي.
وقد قرض جرير الأبيات ردا على
الفرزدق قائلا:
وهل
ضربةُ الرومي جاعلةٌ لكم
أبا
غيرَ كلبٍ أو أباً مثلَ دارمِ
ولا
نقتل الأسرى ولكن نفكُّهم
إذا
أثقل الأعناقَ حَمْلُ المغارم
كذاك سيوف
الهند تنبو ظُباتُها
وتقطع
أحيانا مَناط التمائم[2]
عنترة بن شداد:
ولقد
ذكرتكِ والرماح نواهِلٌ
منّي
وبيض الهندِ تقطُرُ من دمي[3]
ذو الرمة في قصيدة ’ما بال عينيكَ
منها الماءُ ينسكبُ‘ يقول:
إذا
أخو لذّةِ الدنيا تبطّنها
والبيتُ
فوقهما بالليل مُحتجَب
سافت
بِطَـــيـِّـــبَةِ العِرنين مارِنها
بالمسك والعنبر
الهندي مُختَضِبُ
تلك
الفتاة التي عُلّقتُها عَرَضا
إن
الكريم وذا الإسلام يُختَلَبُ[4]
عمرو بن كلثوم:
أبا
هِندٍ فلا
تعجل علينا
وأنظِرنا
نُخبّرك اليقينا
بأنا
نورِد الرايات علينا
ونُصدِرهنّ
حُمرا قد رَوِينا[5]
إن
في الأشعار المذكورة فيما أعلاه، بينما تدل الكلمات والمركبات العربية من نحو سيوف
الهند وبيض الهندِ والعنبر الهندي على انتشار الآلات الحربية الهندية الصنع
والمنتوجات الهندية في العالم العربي، المركباتُ من نحو أبا هِندٍ تخبر عن استلهام
العرب من الثقافة الهندية على تنوعها الثقافي وتلونها الحضاري.
بنج
تنترا والنثر العربي
كتاب
بنج تنترا نموذج عظيم للعقل الهندي ورصانته. وهذا الكتاب يُعد من خير ما تركه
إنسان القرون الماضية للأجيال القادمة. وفيه دروس ونصائح بأسلوب ذكي وطريق صحيح.
والأمور التي جعلت بنج تنترا كتابا رائعا ومصدرا مهما لإرشاد الطالبين وتنبيه
الغافلين هي عناصره الفنية وتقديم العقلانية.
لقد
استخدم المؤلف مجموعة من الحيوانات واستنطقها وجعلها تلعب دورا رياديا في أداء
الدور الأساسي ونقل الفكرة المركزية. وقصص هذا الكتاب تدور حول ملك عظيم وهو أسد
والثور الأبله الذي كان ضحية المؤامرة وابني الآوى وهما يقومان محل
البطلين الذين كانا في البداية وزيرين ثم طردهما الملك فاختارا حيلة ماكرة لأجل
استرجاع مكانتهما القديمة لدى الأسد ملك الغابة.[6]
كتب
كثير من الكتاب العرب في قديم الزمان وحديثه، القصص والحكايات التي يجد فيها
القارئ عدة نقاط الاتصال والروابط بينها وبين بنج تنترا. وقائمة مثل
هذه الكتب الأدبية ذات الأبطال من الحيوانات كثيرة في اللغة العربية. ومن بينهما
كتاب ’كليلة ودمنة‘ و’كتاب الحيوان‘. وفي العصر الحديث ألف الكاتب المصري الشهير
كامل الكيلاني مجموعة قصصية للأطفال وقدم فيها القصص التي تقوم فيها الحيوانات
بدور بطل للقصة. وفي العصر الراهن تجدر الإشارة إلى أعمال الكاتب السوري زكريا
تامر الذي كتب القصص القصيرة للأطفال ومعظم هذه القصص تتمركز حول حياة الطيور
والحيوانات وأفكارها وهمومها.
ومع
هذا التشابه بين بنج تنترا والقصص والحكايات العربية في استخدام الحيوان كبطل
القصة يجد القارئ أن الكتاب العرب سلكوا منهجا منفردا لأعمالهم الأدبي. وعلى سبيل
المثال، في قصص زكريا تامر يجري الحوار بين الحيوان والإنسان[7] وبين بنت أصبحت سمكا وبين أمه التي لاتزال
انسانا كما كان السمك من قبل.[8] وكما في قصص كامل الكيلاني فهي
أيضا ذاخرة بالأبطال من الحيوان ولكنها لا تقطع العلاقة مع بني البشر.
أما
قصص بنج تنترا فهي بأكملها تدور حول الأبطال من الحيوان فقط. ولم يأت فيها ذكر
الإنسان حتى في موضع واحد.
خلاصة
البحث
إن
التشابه بين قصص بنج تنترا وبين القصص العربية يدل بصراحة على الغريزة الإنسانية
القديمة لاستخدام الكناية والاستعارة لأجل إبلاغ رأي بدون الإشارة الصريحة إلى ما
يريده. وهذا لأجل الوعظ والنصيحة. وهذا الأسلوب للحوار كان موجودا في الماضي
ولايزال يوجد اليوم في جميع أنحاء العالم رغم اختلاف اللغات وتنوع الجنسيات.
والاستفادة من الأعمال العالمية عمل مستمر ولكن من المستحيل معرفة أول شخصٍ فكّر
باستخدام الحيوان كبطل وإحلاله محل الإنسان واستنطاقه كما ينطق أبناء آدم. ونظرا
إلى هذا التعقد في معرفة الأولية والأسبقية من المستحيل تفضيل عمل أدبي على عمل
أدبي آخر وعدّه مصدرا وحيدا لأعمال الكتاب الأخرين ولا استثناء لبنج تنترا أيضا من
هذا.
[1]أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية في كلية ذاكر
حسين دلهي، جامعة دلهي،نيودلهي، الهند
[2] أبو زيد القرشي – جمهرة أشعار العرب، ص:
48
[3] أبو زيد القرشي – جمهرة أشعار العرب، ص:
80
[4] أبو زيد القرشي – جمهرة أشعار العرب، ص:
152
[5] أبو زيد القرشي – جمهرة أشعار العرب، ص:
69
[6] كتاب بنج تنترا المترجم من السنسكرتية إلى
الإنجليزية (Hertel,
Johannes, The Panchatantra; Reprint 2014, Publisher: Forgotten Books Ltd,
London)
[7] تامر، زكريا؛ لماذا سكت النهر؛ بيروت؛ دار
الحدائق؛ طبعة مجهولة؛ 2008م
[8] تامر، زكريا، البنت السمكة؛ بيروت؛ دار
الحدائق؛ ط1؛ 2009م