مساهمات الأستاذ محمد سليمان أشرف الأدبية العربية: دراسة
استعراضية
سيد محمد طارق الندوي
نظرة عابرة:
سأتحدث فيما يلي عن شخص رأيتُه قليلا ولكن تعلمت منه
كثيرا بما أن عدد من ’يتحدثون‘ عنه غير يسير. هذا هو شخص كان يعتبر أبا للأساتذة
للغة العربية عبر الهند وعلى وجه الخصوص، الأساتذة المشتغلين في جامعات شمال
الهند. وهو كما يخبر عنه شُهُود العِيان، كان يشتغل في الدرس والتدريس ولم يكن
لديه شغل يَشْغُلُه أو أمر يلهيه من أعماله العلمية. قضى حياته في التعلم
والتعليم، شبابه وشيخوخته على حد سواء. إنه حيي حياة الباحث الجدي العاكف على
عمله، لا ينظر يمنة أو يسرة وتنحى عن كل ما يكفه عن العمل العلمي وعكف على الكتب
وقراءتها. هذا هو الأستاذ البروفيسور محمد سليمان أشرف الحائز على جائزة رئيس
الدولة التقديرية لعام 2002م رحمه الله رحمة واسعة.
مولده ونشأته:
قبل حوالي أربعة عشر عاما قبل استقلال الهند أبصر
الأستاذ أشرف النور في مدينة على كراه الصغيرة والواقعة على بعد 200 كلومتر تقريبا
في الجانب الشرقي للعاصمة الهندية دلهي منذ قرون. إنه ولد في أسرة علمية معروفة
وبفضل أسرته ومسقط رأسه نشأ في بيئة علمية ودينية وأدبية. ووعن مولده ونشأته تكتب
الدكتوراه عقيلة:
"لقد
ولد البروفيسور محمد سليمان أشرف في السابع عشر من شهر يونيو لعام 1934م في مدينة
عليكراه في أسرة علمية، وتعلم اللغة العربية والكتب الإسلامية في مسقط رأسه، فقد
التحق بالمدرسة اللطفية ودرس على يد كبار العلماء هناك الكتب الدينية ثم تخرج فيها
عام 1951م وكان من أساتذته الكبار الذين لهم أثر بالغ في تكوين شخصيته لطف
الله"[1].
وتفيد ورقة الأستاذ نعيم الحسن الأثري حول السيرة
الذاتية للأستاذ محمد سليمان أشرف أنه حصل على شهادة ’عالم‘ من هيئة إله آباد
التعليمية بدرجة الامتياز عام 1951م وشهادة ’فاضلِ درسِ نظامي‘ من المدرسة اللطفية
بالمسجد الجامع ب‘علي كراه بدرجة الامتياز عام 1953م[2].
ونظرا إلى براعته العلمية وحذاقته العقلية ولاه المسئولون
منصب المدرّس في المدرسة اللطفية وبدأ يلقي المحاضرات في موضوعات عدة من الفقة
والمنطق والأدب وهو لم يكن يناهز من عمره عشرين سنة وفي هذا الصدد تكتب الدكتوراة
عقيلة:
"بعد
أن تخرج الأستاذ أشرف في هذه المدرسة (المدرسة اللطفية) تمّ تعيينه فيها وعمل
كمدير لها ودرّس هناك كتاب ’نور الأنوار‘ في أصول الفقه وكتاب ’الميبذي‘ و’القطبي‘
في علم المنطق و’الكافية‘ و’شرح الملا جامي‘ في النحو و’حماسة أبي تمام‘ و’ديوان
المتنبي‘ في الأدب"[3].
ورغبته المتزايدة في منازل العلم الرفيعة لم تسمح له أن
يتخلى من مواصلة جهوده الشخصية
في سبيل العلم والانضمام إلى نظام التعليم السائد آنذاك فلذا إذ كان يشتغل كمدرس
في المدرسة اللطفية في علي كراه تقدم بطلب الالتحاق إلى قسم اللغة العربية بجامعة
على كراه المسلمة وأكمل الماجيستير بدرجة الامتياز سنة 1960م[4].
الانخراط في سلك النظام الجامعي:
وبعد أن أكمل الماجستير في قسم اللغة العربية بجامعة على
كراه في عام 1960م شمر الأستاذ عن ساق الجد للمزيد من منازل الرفعة وعلو الشأن إذ
استدعاه حظه إلى أن يودّع المدرسة اللطفية بعلي كراه ويبدأ حياة علمية جديدة في
’كلية دلهي‘ التى رغم العواصف الشديدة المضنية لا تزال تنور العقول لأجل ما هو
معقول ولكن بشيء من التغير والتعديل في اسمها الجليل متنقلة من ’كلية دلهي‘ ثم ’
كلية ذاكر حسين‘ وأخيرا إلى ’ كلية ذاكر حسين دلهي‘. تكتب الدكتوراة عقيلة عن رحلة
الأستاذ أشرف من المدرسة اللطفية إلى كلية دلهي قائلة:
"ولما
حصل على شهادة الماجستير في اللغة العربية عام 1960م ترك التدريس في المدرسة
اللطفية وتم تعيينه كمحاضر في كلية دلهي، فقام هناك بأداء مهمة التدريس لبضعة
أعوام"[5].
إقامته في مصر للدراسات العليا:
وبعد قضاء ستة أعوام في كلية دلهي ارتحل الأستاذ أشرف
إلى مصر في عام 1966م لأجل الدكتوراه. تكتب الدكتوراة عقيلة بأنه:
"..سافر
في عام 1966م إلى جمهورية مصر العربية وقابل كبار أدبائها وشعرائها هناك واستفاد
منهم، وقبل في كلية دارالعلوم بالقاهرة في مرحلة الدكتوراه تحت إشراف
الدكتور حمدي السكوت وكان موضوع بحثه هناك ’تأثير الشعر الإنجليزي على الشعر
المصري‘ ثم تغير مشرفه وأصبح الدكتور شكري أياد الأستاذ في كلية الآداب بجامعة
القاهرة مشرفا على إشرافه فكتب الأستاذ أشرف رسالته وأعدها تحب إشرافه وحصل على
شهادة الدكتوراه في الأدب العربي بمرتبة الشرف الأولي من جامعة القاهرة في عام
1970م"[6].
تعيينه أستاذ اللغة العربية في جامعة دلهي:
حينما رجع الأستاذ سليمان أشرف من مصر حاملا شهادة
الدكتوراه توجّه إلى كلية دلهي من حيث كان أطلق رحلته العلمية كمدرسٍ في معهد تابع
للنظام التعليمي العصري الهندي وقضى في تلك الكلية الفترة ما بين 1971م و1972م.
وفي عام 1972م نفسه تم تعيينه في قسم اللغة العربية بجامعة دلهي كأستاذ مشارك ولم
يزل يترقى من درجة إلى درجة إلى أن اكتملت الفترة المحددة للعمل له في عام 1999م
وتقاعد رسميا عن منصب الأستاذ[7].
حياته بعد التقاعد حتى وفاته:
وبعد التقاعد في عام 1999م ركز الأستاذ سليمان أشرف على
الأعمال العلمية وحاول أن ينجز ما لم يستطع تحقيقه خلال فترة الاشتغال كأستاذ في
قسم اللغة العربية بجامعة دلهي. وعَبَرَ عقد كامل منذ التقاعد حتى وفاته واصل
الحضور في قسم اللغة العربية وإفادة الطلبة والباحثين. وفي هذه الفترة صدر بعض من
أعماله العلمية المهمة.
آثاره العلمية:
قد صدق من قال ’خير الكلام ما قلّ ودلّ‘. وربما هذا ما
كان يؤمن به الأستاذ أشرف إيمانا قويا فلم يمهل نفسه إصدار أكثر من أربعة كتب.
وهذه الكتب الأربع رغم كونها قليل العدد تحمل بين دفتيها قدرا هائلا من المعلومات
العلمية والنقدية العربية. ويجوز توزيع أعماله على أربعة أنواع من البحث الجامعي
والمقالات التي قدمت في المؤتمرات والندوات والدراسة العلمية النقدية وعملية
التعريب والترجمة.
1) البحث
الجامعي: ’دراسة مقارنة بين الشعر العربية الحديث والشعر الإنجليزي‘
هذا الكتاب يبدو كأنه أطروحته التي أعدها في أثناء
إقامته في القاهرة. هذا الكتاب مصدر نقدي مهم لكل من يود معرفة التلاقح الفكري بين
الأدب العربي الحديث والأدب الإنجليزي. فقد جمع فيه الكاتب الأمثلة والأشباه التي
تكشف الغمة لمن له الهمة للبحث عن الوجوه المماثلة في الأدبين العربي والإنجليزي
وعلى سبيل الحصر في مدارسهما النقدية والفكرية من الرومانتكية والرمزية
وغيرهما وهيآت الأبيات وأوزانها المتراوحة بين الحرية والتقييد. وكذلك، ترجم
الكاتب النماذج الإنجليزية من أشعار كبار شعراء الغرب إلى اللغة العربية وبهذا
يسهل فهم أسباب التقارب بين الأدبين.
2) مجموعة
المقالات: ’دراسات تاريخية وأدبية‘
هذه المجموعة تشتمل على مقدمة وست مقالات:
أ. العلاقات
التاريخية القديمة بين الخليج العربي وشبه القارة الهندية مع ظهور الإسلام
وانتشاره. 26 صفحة ذات حجم عاد.
ب. عبد
العزيز الميمني الراجكوتي الأثري وأسلوبه في كتابة اللغة العربية. 13 صفحة ذات حجم
عاد.
ت. الأستاذ
خورشيد أحمد فارق كمحقق. 38 صفحة ذات حجم عاد.
ث. تأثير
الشعر الإنجليزي على شعراء مدرسة الديوان. 17 صفحة ذات حجم عاد.
ج. شعر
المقاومة والثورة في الهند والعالم العربي: دراسة مقارنة. 22 صفحة ذات حجم عاد.
هذه المقالات التي تتنوع من حيث الموضوع ومكان العرض،
تدل على دقة البحث وغزارة المعرفة والتضلع بتنوع الثقافات. ولإعداد هذه البحوث
استفاد الأستاذ من مصادر اللغة العربية المحلية والعالمية كلتيهما كما استفاد من
المصادر الموجودة في كل من أربعة لغات متداولة في الهند والعالم العربي من العربية
والإنكليزية والأردية والفارسية. ومن قائمة مقالاته المنشورة في ’دراسات
تاريخية وأدبية‘ مقالتانِ لا يمكن أن يستغنى عنهما. وهما ’عبد العزيز
الميمني الراجكوتي الأثري وأسلوبه في كتابة اللغة العربية‘. ’الأستاذ خورشيد أحمد
فارق كمحقق‘. وفيهما قدر وافر للمعلومات عن الباحثين الهنديين الكبيرين في مجال
اللغة العربية.
3) الدراسة
العلمية النقدية: ’حالي والأدب العربي‘
وفي هذا العمل النقدي والاستعراضي قدم الأستاذ سليمان
أشرف استعراضا مفصلا لكل ما استفاد منه الشاعر والناقد الهندي حالي من المصادر
العربية وآثاره العربية من النظم والنثر. وفي هذا الكتاب تعليقات مهمة للأستاذ
سليمان أشرف على آثار حالي العربية. ويفيد الكاتب أن حالي استفاد كثيرا من المصادر
العربية ولكن اكتفى بذكر سبعة كتب فحسب. وعلاوة على هذا لم يعن حالي بذكر المصادر
الأدبية والدينية التي استفاد منها ونقل في كتبه مقالاته[8].
4) التعريب
والترجمة: ’المجتمع الإسلامي في ضوء العدالة‘
ترجم الأستاذ محمد أشرف كتاب صديقه الأستاذ صلاح الدين
المنجد ’المجتمع الإسلامي في ضوء العدالة‘ من العربية إلى اللغة الإنجليزية. وبما
أنني لم أجد هذا الكتاب فلذا أكتفي بما قالت عنه الدكتوراة عقيلة:
"هذا
الكتاب صغير الحجم ولكنه غزير الفائدة حيث يبحث بموضوع يهم المجتمعات الإنسانية
كلها"[9].
ومما يجب أن يُذكر في هذا الصدد هو أن جميع هذه الأعمال
لم تكن مطبوعة وكانت موضوعة على مكتب الأستاذ سليمان أشرف وبقيت على حالها في صورة
المسودات غير المطبوعة إلى أن تنبه إليها الأستاذ المحترم الدكتور نعيم الحسن
الأثرى وفعل كل ما كان في وسعه لأجل طباعة هذه الأعمال العلمية لأستاذه سليمان
أشرف وهكذا أدى ما كان عليه من حق أستاذه. وهذا ما اعترف به الأستاذ محمد سليمان
أشرف في جميع كتبه. وفي مقدمة كتابه ’حالي والأدب العربي‘ يكتب الأستاذ محمد
سليمان أشرف:
"وأخيرا
أنا مدين بالشكر للدكتور نعيم الحسن الأثري الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية
وآدابها بجامعة دلهي الذي تولى جميع الأمور المتعلقة بالتنضيد والطبع فجزاه الله
خيرا"[10].
وفي الحقيقة لو لم تكن جهود الأستاذ نعيم الحسن الأثري
لم يكن من الممكن الاستفادة من أعمال الأستاذ محمد سليمان أشرف العلمية التي تتميز
بميزات عدة. جزاهما الله خير الجزاء.
[1] الدكتوراة
عقيلة – الدراسات العربية والإسلامية: دراسة نقدية تحليلية، قُدمت عام 2009م، تحت
إشراف: الأستاذ محمد نعمان خان، ص: 286
[2] الأستاذ
نعيم الحسن الأثري - السيرة
الذاتية للأستاذ محمد سليمان أشرف، الورقة غير مطبوعة، أعدت عام 2012م
[3] الدكتوراة
عقيلة – الدراسات العربية والإسلامية: دراسة نقدية تحليلية، قُدمت عام 2009م، تحت
إشراف: الأستاذ محمد نعمان خان، ص: 286
[4] الأستاذ
نعيم الحسن الأثري - السيرة
الذاتية للأستاذ محمد سليمان أشرف، الورقة غير مطبوعة، أعدت عام 2012م
[5] الدكتوراة
عقيلة – الدراسات العربية والإسلامية: دراسة نقدية تحليلية، قُدمت عام 2009م، تحت
إشراف: الأستاذ محمد نعمان خان، ص: 286
[6] المصدر
السابق ، ص: 286-287
[7] الأستاذ
نعيم الحسن الأثري - السيرة
الذاتية للأستاذ محمد سليمان أشرف، الورقة غير مطبوعة، أعدت عام 2012م
[8] الأستاذ
محمد سليمان أشرف- حالي
والأدب العربي، كوخ العلم، نيو دلهي، 110063، طبع عام 2006م، ص: 4-5
[9] الدكتوراة
عقيلة – الدراسات العربية والإسلامية: دراسة نقدية تحليلية، قُدمت عام 2009م، تحت
إشراف: الأستاذ محمد نعمان خان، ص: 291-292
[10] الأستاذ
محمد سليمان أشرف- حالي
والأدب العربي، كوخ العلم، نيو دلهي، 110063، طبع عام 2006م، ص: 6