الاثنين، 24 يناير 2022

رسالة حفلة الوداع

 

رسالة حفلة الوداع

سيد محمد طارق

 

 

أيها الطلبة والطالبات!

قد حان الفراق. ولا مفر منه. تعودنا هذا الفراق منذ يومِ أخطأ ابوانا آدم وزوجته، فاضطرا لمغادرة الجنة والافتراق. إن مغادرة الجنة ونعيمها وافتراق الحبيب من محبه أمران هان بعدهما جميع أنواع الآلام والأحزان للإنسان، يعترف أو يرفض.

لو سألتموني: أأنت حزين بفراقنا؟ أقول: لا. حزن الفراق، لا علاقة لي به. أعرف وأقدر حزن الوصال فحسب. جئتم طالبين علم اللغة العربية وتعلم النطق والكتابة بها. هل فزتم بما أردتم؟ لو قلتم: نعم، فلا الحزن يبقى ولا المرارة تدوم. ترجعون فرحين مبسوطين. نحن أساتذتكم في هذا القسم لنبقى بذكريات جديتكم وإخلاصكم. ولكن لو أجبتم بـ ’لا‘، فترجعون نادمين وننساكم مسرعين. لأن الوصال لم يثمر ولأن إقامتكم لم تنفع. خسرتم وخسرنا. فلنُسرع أي إسراع وينسى بعضُنا البعض.

النسيان أراه نعمة عظيمة من الله. لو لا النسيان لما كانت الحياة مريحة وممتعة، فغادروا هذا المعهد ناسين ومتناسين ذكرياتها إلا الأهداف التي كانت جلبتكم إليها قبل ثلاثة أعوام. هل حققتموها أم أنساكم الشيطان!

شكا إلي بعض منكم قائلا: أنت لا تعاملنا معاملة الصديق. فقلتُ وأعيد القول لكم اليوم: نعم. طبيعتي لا تسمح لي أن أجعلكم أصدقائي لأنني أومن بالصدق في العمل وأداء الواجبات. وأرى أنكم التحقتم بهذا المعهد لأجل تعلم اللغة العربية نطقا وكتابة لكي تحيوا حياة عز وشرف، لكي تصبحوا خير نموذج لمن سيأتي بعدكم. ولم يلتحق أحد منكم بهذا المعهد لأجل الصديق ولو فعلتم هذا فاعلموا أن الحياة المنتظرة لكم خارج حرم هذا المعهد حياة صعبة. فهي لن تراعي أبوتكم ولن تنظر إلى بشرتكم ولا إلى أحلامكم ولا إلى علاقاتكم بالقادة وعظماء المجتمع. الحياة في الواقع ترغب في المنافع وطرق سد حوائجها. فإن وجدت فيكم النفع لترحب بكم بغض النظر عن قامتكم ولونكم وجنسيتكم ودينكم ولكن لو خاب ظنها فيكم لتفر منكم فرار الغنم من الأسد الجائع.

طوبى لمن اتعظ ووعى ما تعلم!

طوبى لمن أدرك معاني الحياة المختفية فأصاب!

(24 أبريل 2019م)