بين القبرين
سلام عليك ممن تخلف ويثق بلقائك
!
زرت بالأمس القبر الذي كان أهل القرية يودون دفنك فيه ولكن تم دفنك في قبر آخر بعيد من القبر الأول. والآن يظن الناس دفنك في قبر غير قبر حفروه إهانة لمشاعرهم وازدراء بكرامتهم .
لا أزال أذكر السفر معك في حافلة الموتى. كان جسمك في ثلاجة كبيرة وأنا في جنبك وكنت غارقا في حزن الفراق وألم الوداع رغم إيماني
بنظام إلهي للحياة والممات ويوم الحشر ورغم يقيني بما ورد في القرآن "كل نفس ذائقة الموت". وخلال ذلك السفر الشاق والمضني اتصل بي أبوك
مستأذنا بدفنك في مولدك بجوار قبر جدك وبعد ثوان تكلم معي أعضاء أسرتي من القرية مصرين
على دفن جسمك في القرية.
تحيرتُ كم يتفكرون في دفنك وكان المفروض
عليهم أن يشعروا بألم كان يوجعني وحزن أوشك أن يميتني.
أنا لا أراك ببين الموتى. أنت معي اليوم
كما كنتِ بالأمس. ولا يهمني أين دفن جسمك، في
القرية التي أصبحت بيتك بعد الزواج مني أم دفنت في المدينة حيث ولدت ونشأت وترعرعت.
أراك ماشية في البيت وجالسة في القطار وممسكة
بيدي في الطائرة وأجدك في جنبي في مكتبي حاملة القهوة والمأكولات البسيطة وأراك جالسة
في محاذاتي كاتبة قصصك التي كنت أود طباعتها في أسرع وقت
ممكن... يا ليتني أدركت الحقيقة قبل فوات الأوان!
قد متِّ لمن كان يراك في جسم لا بقاء له
ولكن أنت فقد انتقلت إلى مكان بعيد كما يظن فلذة كبدك ابنك الحبيب.
ونراك في البرزخ عاجلا ونجتمع ونحيا معا في الدار
الآخرة آجلا إن شاء الله.
وأما القبران فكلاهما يستحقان التقدير
والاحترام والإجلال لأن الواحد أصبح مقرا مؤقتا لمن لا اتخيل حياتي بدونها والثاني
مذكرا يحمل في طياته حادثة غيرت مجرى حياتي.