السبت، 12 فبراير 2022

المصادر الأدبية العربية والإرشاد الأخلاقي


المصادر الأدبية العربية والإرشاد الأخلاقي

د.سيد محمد طارق

الملخص

في هذه الورقة البحثية سيجري النقاش حول بعض النصوص العربية الأدبية ذات العلاقة بالأخلاق وما يتعلق بها من الأوصاف الخلقية النبيلة. وبدءا بالإشارة إلى أهمية الأخلاق لدى العرب قبل الإسلام ومرورا سريعا بالمصادر الأدبية المتدوالة حاليا في الأوساط الأدبية في العالم العربي ستنتهي هذه الورقة بذكر الإراشادات الأخلاقية الواردة في القرآن الكريم.

الكلمات المفتاحية: الأخلاق، الإرشاد والتعليم، القرآن الكريم، اللغة العربية.

المقدمة

الأخلاق في النصوص العربية قبل نزول الوحي:

الأخلاق ليست بشيء غريب في الأعمال الأدبية العربية. وفي زمان إذ لم يكن العرب يهتمون كثيرا بكتابة كل ملفوظ كانوا يحفظون كثيرا من النصوص لأجل نقلها إلى من هو أكثر اهتماما بها وحفظا ورعاية لها. ومن بين ما خلّفته لنا الأزمان الغابرة نصوص تفيد عن وجود اهتمام خاص بالقيم الأخلاقية والمحاولات الجادة لأجل تثقيف الأجيال القادمة بها. وكانوا يفتخرون بالكرم لا بالبخل وكانوا يمدحون صاحب الوفاء بالعهد وكانوا يحثون أبنائهم وأتباعهم على التحلي بالشجاعة والأَنَفة وعزة النفس كما كانوا يرون الحلم والمروءة أساسا للفوز وغاية للإنسانية. وفي المواد الأدبية القديمة يقابل القارئ شاعرا يطلب خادمه بإيقاد النار ويجعل مجيئ الضيف عوضا لعتقه فهو:

أوقد فإن الليل ليلٌ قَرٌّ

والريح يا واقدُ ريح صِرٌّ

عسى يرى نارك من يمر

إن جاءنا ضيفُ فأنت حُر

وشاعر آخر يمدح شخصا بكرمه وخيره قائلا:

ياشريك يا ابن عمرو هل من الموت محاله؟

ياشريك يا ابن عمرو يا أخا من لا أخا له

بينما لاينسى حكيم عربي تحذير عامة الناس وإرشادهم باتخاذ الوسطية إذ قال:

احبب حبيبك هونا ما عسى يكون عدوك يوما ما

وابغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما

ونقل جواد على صاحب ’المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام‘ قول أحد حكماء العرب الاحنف بن قيس بأن "سيد القوم خادمهم" إضافة إلى ما روي عنه أنه ’لما سئل بماذا سدت قومك قال: بثلاث خِلال، بذل الندى، وكف الأذى، ونصرة المولى‘[1].

النصوص الأدبية بعد ظهور الإسلام:

إن القرآن الكريم يهتم كثيرا بالأخلاق والمعاملة الحسنة حتى مع الأعداء. وفي موضع ينصح القرآن متبعيه باختيار أحسن طريق وأجود أسلوب للجدال ويقول:

ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ                          (سورة النحل: 125)

وفي موضع يأمرهم أن لا يقولوا إلا ما هو حسن ويقول:

وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (سورة الإسراء: 53)

وفي موضع يُحذِّر متبعيه أن ينسوا العدل بسبب سُخْطِهم على الأعداء ويقول لهم:

وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ                                           (سورة المائدة: 2)

وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. ويجدر بالذكر ما رواه أَنَس رضي الله عنه إذ قَالَ : "خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ ، فَمَا قَالَ لِي : أُفٍّ ، قَطُّ ، وَمَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: أَلا كُنْتَ فَعَلْتَهُ ؟ وَلا لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ : لِمَ فَعَلْتَهُ؟".

ونظرا إلى أهمية الأخلاق والإرشادات النبوية في هذا المضمار قد اهتم مولفو الكتب الحديثة بتخصيص باب مستقل ببيان ما ورد عن النبي في الأخلاق والقيم الخلقية.

وجاء في صحيح مسلم دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع. ومستلهما من نفس الكلمات قال شاعر مشيرا إلى أهمية التحلي بالأخلاق:

يا من تقاعد عن مكارمِ خُلقه

ليس التفاخر بالعلوم الفاخرة

من لم يهذّب علمَه أخلاقُه

لم ينتفع بعلومه في الآخرة

وبفضل التعليمات القرآنية والإرشادات النبوية التفت أتباع المصادر الدينية الإسلامية بالامتثال بما أمرهم به الله والاجتناب مما نهاههم عنه. وإذ ظهر الاهتمام بالكتابة والتأليف صدر قدر كبير من الكتب في الأخلاق ومحاسنها وأنواعها. وفيما يلي يُذكر بعض من الكتب الأدبية العربية في موضوع الأخلاق:

  • الأدب الصغير والأدبي الكبير : عبدالله بن المقفى 142
  • أخلاق الطبيب ؛ محمّد بن زكريّا الرازي (243).
  • كتاب (أخلاق الملوک ) لأبي عثمان الجاحظ المتوفّى سنة 255 ه . ق .
  • الآداب ؛ عبد الله بن محمّد ابن المعتزّ (240 ـ 287).
  • أخلاق العلماء؛ لأبي بكر الآجري (م 306 ه ).
  • الأخلاق؛ لفخر الدين أبي بكر الرازي (م 311 ه ).
  • الآداب ؛ أحمد بن حسين البيهقي (372).
  • تهذيب الأخلاق؛ لابن مسكويه الفارسي (م 421 ه ).
  • الأخلاق؛ للرئيس أبي علي ابن سينا (م 428).
  • الأخلاق والسير؛ عليّ بن أحمد بن حزم الأندلسي (372 ـ  443 ش ).
  • آداب الصحبة والمعاشرة ؛ محمّد بن محمّد الغزالي (450).
  • أخلاق الأبرار وإحياء العلوم؛ لأبي حامد الغزالي (505).
  • أخلاق الأخيار؛ للراغب الإصفهاني (548 ش ).

الإرشادات الأخلاقية في القرآن الكريم.

الاستئذان للدخول في البيوت المسكونة:

كل من يحاول فهم معاني القرآن الكريم يجد فيه أن كثيرا من الأوامر والنواهي يتعلق بالأخلاق ففيه أمر باحترام الحياة الإنسانية والنهي عن التكبر والمطالبة بالاجتناب عن السخرية والتهكم والمعاملة الحسنة والحث على الإنفاق والوسطية في الإنفاق والتحية وردها بأحسن منها والدفاع عن السيئات بالحسنات والعفو عن أخطاء الناس وكظم الغيظ وآداب الزيارة.

الاستئذان للدخول في البيوت المسكونة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (النور:27-29)

احترام الحياة الإنسانية:

وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا  (الإسراء: 31)

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (الأنعام: 140)

النهي عن التكبر:

وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (لقمان : 18)

الاجتناب عن السخرية والتهكم:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الحجرات: 11)

المعاملة الحسنة:

وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا (النساء 36)

الحث على الإنفاق

لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (البقرة 177)

وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (الإنسان 8)

الوسطية في الإنفاق:

وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (الإسراء 29)

التحية وردها بأحسن منها:

وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (النساء: 86)

الدفاع عن السيئات بالحسنات وإبقاء الصداقة والمحبة:

وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. (فصلت: 34)

العفو عن أخطاء الناس وكظم الغيظ:

الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران 134)

النتائج:

دراسة النصوص الأدبية العربية من زمان ما قبل الإسلام وبعد الإسلام على حد سواء تدل على كثير من  الأبعاد الإيجابية لجهود الكتاب باللغة العربية وآثارهم الأدبيةلأجل إيجاد البيئة القائمة على الأسس الأخلاقية المتينة. ويجد القارئ في أعمال القدماء والمُحدَثين ميلا عظيما نحو الأخلاق والقيم الخلقية. ولا ريب في أن الكاتبين باللغة العربية في عصر ما قبل نزول القرآن لم يكونوا أقل اهتماما بالأخلاق ولكن بعد التعرف على القرآن الكريم المنزل على رسول الرحيم سعوا لتبليغ القيم الأخلاقية بطريق أحسن مما كانوا يفعلون من قبلُ مستفيدين من التعليمات القرآنية والإرشادات النبوية.


المصادر والمراجع:

 



[1] جواد على: المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام ،ج 4 ، ص585 ،586